هل لنا أن نتعافى مما يمر به لبنان من محنٍ مؤخراً، من منظور عيشنا اليومي؟

يبتغي معرض «جنينة الصنايع: عود على بدء» تناول "لقاء" فنانات وفنانين بأنماط من "الصنائع" الفنية التي برزت إبان عقد التسعينيات من القرن المنصرم، وهو العقد الذي شهدت فيه البلاد تحولات على الصعيدين السياسي والثقافي في آن معاً. لقد سعى هؤلاء - من منطلق ما اختبروه معاً وكلاً على حدة - للسمو بتجارب العيش اليومي وبالتأريخ لمشروع تحولات راهنة: مشروع «الشهادة» على زمان ومكان أفسده ثبوت حال الأزمة.  

لعقود ثلاث خلت، أوثقت لبنان قيود تدابير ما بعد الحرب، والتي بطشت بالنظام الطائفي فيه. نذكر من تلك التدابير، لا على سبيل الحصر: سياسات إعادة الإعمار التي طالت وسط العاصمة الحضري بالتشويه، ونهاية عقود من الوجود العسكري السوري والاحتلال الإسرائيلي للجنوب، واحتجاجات تشرين 2019، وتفجير مرفأ بيروت، والانهيار الدؤوب لقيمة العملة اللبنانية الوطنية ومؤسسات الدولة والاقتصاد المحلي. لقد خلّفت تلك الأزمات، من ورائها، شعوراً لجوجاً بعدم الاستقرار، تغيب بموجبه إمكانية التكهّن بأي غدٍ معلومٍ، ناهيك عن تجاوز ماضٍ كريه.

يضم هذا المعرض رسوماً وخُطاطات، ولوحات وتلصيقات، ويوميات ووثائق أرشيفية، وأشغال فوتوغرافيا وڤيديو، ومنحوتات، تضم بين جنباتها نسجاً لكل من المبتذل والتاريخي معاً، فكلاهما حاضر بثقله في وعينا الجمعي. 

تستند بعض من الفنانات المشاركات والفنانين المشاركين إلى تقنيات تمثيل بصري مألوفة، بينما تناجزها أخروات وآخرون، وجميعهن/م تنتهين/ ينتهون إلى صوغ أبجديات شكلانية وأنساق مفاهيمية خاصة. لحِظنا، من بينها، نزوعاً للتسلسل يشي بحال الرتابة وإعادة الترتيب، ويعكس لا شكٍ تعاقب دورات الأزمة. أما تكرر الاستعانة بكتابة اليوميات، فيستحق شيئاً من الانتباه: كونه نسق معالجة حميمي ذاتي متجزئ، يفتح مجالاً لاستيعاب عملاً فنياً مؤقتاً لا يبدو مكتملاً، شأنه شأن الصيرورة الفنية ذاتها. وأخيراً، نلمس اعتماداً على المخيلة والاستباحة، يبتغي إضفاء المزيد من التعقيد على شخص الشاهد، بل وأي حقيقة قد يدّعيها. وهكذا، تمتزج في «جنينة الصنايع» الحوادث التاريخية بالشأن الداخلي، إذ تجري معالجتها وهضمها مراراً وتكراراً، فتفرز أخيراً أشغالاً فنية تتلو رواية معطَّلة. 

تقيم «أشكال ألوان» معرض «جنينة الصنايع: عود على بدء» في سياق الدورة التاسعة من «ملتقى أشغال داخلية»، وهو الملتقى الرئيس الذي تعقده الجمعية، هذه السنة، عبر ثلاث فصول: الأول في 30 تشرين الثاني 2023، والثاني في 25 نيسان 2024، والثالث في 28 تشرين الثاني 2024. يشير عنوان المعرض إلى «لقاء الصنائع التشكيلي الأول»، والذي عقدته الجمعية، إبان تأسيسها، في بيروت عام 1995. 



 



ساعات الدوام.